ذهبت مع عائلتي في زيارتنا الأسبوعية للجد والجدة إلى البستان حيث يقيمان على تخوم القرية في الأراضي الزراعية التي تفصل بين قريتنا والقرية المجاورة .
بالإضافة إلى الإسطبل الذي يأوي بقرات جدي ودجاجاته وحماره ، بنى جدي في البستان غرفتين إستطاع أن يوصل إليهما الكهرباء أما الماء فمصدره البئر الإرتوازية التي يسقي منها نباتاته التي يزرعها ، وحيواناته التي يربيها .
يقضي جدي معظم وقته في البستان ، حيث الهواء الأنقى ، ولا يأتي إلى القرية إلا قليلآ عندما يحتاج إلى بعض الأغراض ، أو من أجل بعض المناسبات الإجتماعية .
عندما وصلنا البستان وبعد أن سلمنا على الجدين إنطلقنا _ أنا وأخي الكبير حسام إلى الإسطبل لنتفقد البقرة الحامل التي كان متوقعآ أن تلد خلال الأسبوع الماضي ، ولكننا وجدناها على حالها جالسة على الأرض ببطنها الممتليء تجتر من الأعشاب التي أمامها .
تركنا البقرة وذهبنا وراء الدجاجات التي كان تنقر الحبوب خارج الإسطبل ، وبدأنا معها لعبة المطاردة ثم التقليد ... قلدنا مشيتها ، وتقافزها ومحاولات طيرانها الفاشلة ، وأصواتها المختلفة بين ديك ودجاجات وصيصان .
وكما هي العادة ، أركبتنا الجدة على الحمار وجرته عدة أشواط حول الإسطبل .
لم نتوقف عن اللعب إلا مع مغيب الشمس ودعوتنا لتناول العشاء ، إذ من عادة الجد والجدة عدم السهر ليفيقا مبكرآ .
عندما حان موعد عودتنا إلى القرية ، طلب جدي من أبي _ كما في كل مرة _ أن يبقيانا حتى الغد على أن يعيدنا الجد عصرآ ، لكننا رفضنا لأن غدآ يوم عطلة سنقضيه في لعب كرة القدم مع أولاد الحارة ... عندئذ إقترب جدي من أذن أخي حسام ووشوشه ، ثم إقترب مني ووشوشني قائلآ : أعتقد أن البقرة ستلد الليلة أو صباحآ ، وسيتاح لك رؤية المولود في ساعته الأولى .
وافقت على البقاء فورآ وسط إندهاش أبي وأمي وأخي ، الذين غادرو بعد أن أوصاني أبي بسماع كلام الجدين .
أدخل جدي الحيوانات إلى الإسطبل ، وطلب مني أن أعد الطيور حتى يتأكد من أنه لم ينس واحدآ منها خارجآ .. وأخيرآ إطمأن على البقرة الحامل ، ومسح على رأسها وظهرها .
عدنا إلى الغرفة حيث كانت جدتي قد جهزت لي فراش النوم وضعت رأسي على الوسادة ورحت آمل أن تلد البقرة الليلة وصرت أفكر فيما إذا كانت ستلد عجلآ أم عجلة ، وما هي إلا لحظات ، أو هكذا بدا لي ، حتى إستيقظت على صوت جدتي : أحمد .. جدك يناديك لترى العجلة التي ولدت للتو .
إنطلقت راكضآ ، وإذا الشمس في أول شروقها ، دخلت الإسطبل حيث كان جدي يمسح على رأس العجلة التي تكاد لا تستطيع فتح عينيها ، وتصدر خوارآ ضعيفآ ، ترد عليه أمها بخوار قوي ؛ وكأنها تخبرها أنها قريبة منها .
حاولت العجلة أن تقف على رجليها عدة مرات حتى إستطاعت الوقوف بمساعدة جدي ، إقتربت من أمها ، وراحت تمسح برأسها على بطن أمها ، وراحت أمها تمسح بلسانها على رأس إبنتها ، وأخيرآ إستطاعت العجلة أن تصل إلى ضرع أمها ، وراحت ترضعه بنهم ، لم تمض إلا دقائق حتى نامت العجلة ، ثم نامت البقرة أيضآ .
عدت مع جدي إلى الغرفة لننتظر الفطور الذي بدأت جدتي بإعداده .. كان جدي يبتسم حتى كاد يضحك عندما قال : كان حدسي في مكانه ، لقد ولدت البقرة بالسلامة ، عجلة بكامل صحتها .
دخلت جدتي قبل أن ينهي جملته ..فسألته : لو أنجبت البقرة عجلآ هل كانت فرحتك ستصبح أكبر ؟
_ بالطبع لا .. ستكون أقل .
إستغربت جواب جدي ، فسألته : ولكن ما الفارق بين العجلة والعجل ؟
أطلق جدي ضحكته المحببة ، ثم قال : عندما تكبر العجلة ستصبح بقرة يمكن أن نستفيد من حليبها وإنجابها بالإضافة إلى لحمها . أما العجل فعندما يكبر ، يصبح ثورآ لن نستفيد إلا من لحمه .
قضيت بقية النهار برفقة جدي في زيارة البقرة وعجلتها التي صارت تستطيع الوقوف وحدها ، والدوران حول أمها .
عدنا إلى القرية حيث كنا فيها وذهبنا إلى المدرسة أنا وأخي في اليوم التالي ، ولم أخبر إلا زميلي في المقعد إبراهيم عن البقرة والعجلة ، فما كان منه بعد أن دخلت معلمتنا نور الصف ، إلا أن رفع يده طالبآ الإذن بالكلام ، وعندما سمحت له قال : البارحة أنجبت بقرة أحمد ، أقصد جده ..عجلة .
إبتسمت المعلمة نور وقالت : مبروك يا أحمد ، وماذا سميتم العجلة ؟
لم يخطر في بالي سابقآ أن الحيوانات أيضآ يمكن تسميتها .. لكنني قررت أن أرتجل للعجلة إسمآ فأجبت :سميتها نور !
عبست المعلمة من دون أستوعب السبب ! ومع ذلك أكملت بصوت متقطع : لأنها ... ولدت ... مع بزوغ نور الصباح .
قهقهت المعلمة نور بصوت عال من دون أن أدرك السبب أيضآ .